أظهرت جماعة الحوثي المسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء وأجزاء واسعة من اليمن جدية في تنفيذ قرار سابق لها وصف بالغريب وتمثّل في منع المطربين من أداء الغناء الاحتفالي والطربي في الأفراح والمناسبات وإلزام أصحاب الصالات ببث وتشغيل الزوامل التي يؤديها الرجال فقط ودون إيقاعات وموسيقى مصاحبة.
ولم يحمل الكثير من المطربين وكذلك أصحاب المناسبات ومُلاّك صالات الأفراح القرار بداية على محمل الجدّ وتجاهلوا الالتزام بتنفيذه إلى أن أصبح الحوثيون يشنون حملات توقيف واعتقال للمطربين والمطربات خلال إحيائهم حفلات الأعراس وغيرها، أو على الطرقات أثناء عودتهم إلى ديارهم.
وأكّدت مصادر محلية من محافظة عمران شمالي صنعاء قيام مسلّحين تابعين لجماعة الحوثي بتوقيف ثلاث فتيات أثناء عودتهن بصحبة والدتهنّ من حفل زفاف كنّ قد شاركن بالغناء فيه وتم اقتيادهن إلى جهة مجهولة وذلك بسبب عدم التزامهن بتعهّد كن قد أجبرن على إمضائه في وقت سابق وينصّ على عدم الغناء مجدّدا في الأعراس.
وجاءت الحادثة امتدادا لسلسلة أطول من التوقيفات لمطربين وحتى لأشخاص عاديين شاركوا في الغناء في حفلات خاصة داخل البيوت أو في فضاءات عامة وداخل صالات. وينتمي الحوثيون لما يعرف بمحور المقاومة الذي تتزعمه إيران في المنطقة ويضم إلى جانب حركة حماس الفلسطينية عددا من الحركات والميليشيات المنتشرة من اليمن إلى لبنان وسوريا والعراق.
ممارسات تعكس توجّها سياسيا يتمثّل في وضع الأسس لإعلان “دولة المرشد في اليمن” التي يقودها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي
ويدين الحوثيون بالولاء لإيران ويلتزمون بسياستها في المنطقة، لكنّهم بدأوا يتجّهون بشكل متزايد نحو استنساخ تجربتها في الحكم ونموذجها الديني المتشدّد بما يفرضه من قيود صارمة على المجتمع.
وتكمن خطورة القرارات التي يصدرها الحوثيون من قبيل منع الغناء وفرض لون معين منه بحسب منتقديها أنّها لا تتضمّن فقط محاولة لفرض المنظور العقائدي والأخلاقي والديني للجماعة على طيف متنوّع من السكان لا ينتمي قسم كبير منه لمذهبها، بل تشكّل تهيئة اجتماعية وثقافية وعقائدية لتأسيس دولة للحوثيين على جزء من اليمن تحاكي في تشدّدها “جمهورية إيران الإسلامية”.
ونقلت مواقع إخبارية يمنية مؤخرا عن مصادر في محافظة عمران قولها إنّ القيادي الحوثي عبدالعزيز أبوخرفشة الذي يشغل منصب وكيل أول المحافظة ضمن السلطة الموازية للحوثيين عقد اجتماعا مع مالكي قاعات الأفراح وأعلمهم بوجوب توجيه الفنانين والمنشدين خلال مشاركتهم في إقامة الأعراس وسائر المناسبات الاجتماعية نحو أداء ما يعرف محليا بـ”الزامل” الذي يتضمّن ثناء على المقاتلين ويبرز بطولتهم في المعارك والموقعات الحربية التي يخوضونها وذلك كنوع من الدعاية للحرب التي تخوضها الجماعة تحت راية الجهاد والمقاومة وتعمل على تحميس الناس، لاسيما الأطفال والمراهقين، للالتحاق بجبهاتها.
وقالت المصادر إنّ أبوخرفشة اتهم الفنانين بالاشتراك في ما أسماها بالحرب الناعمة وتمييع المجتمع، محمّلا أصحاب قاعات الأفراح جزءا من المسؤولية عن ذلك بالسماح بأداء الأغاني والأناشيد “المائعة وغير الجادّة”.
ورغم الطابع الاجتماعي والثقافي لمثل هذه القرارات، إلاّ أنّها لا تخلو بحسب منتقديها من تعبير عن توجّه سياسي يتمثّل في وضع الأسس لإعلان “دولة المرشد في اليمن” التي يقودها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي. وكان قيادي حوثي قد أعلن في وقت سابق أنّ عبدالملك سيظل سلطة عليا في البلاد في حال التوصل إلى أيّ تسوية سياسية، وبغض النظر عن تفاصيل تلك التسوية وما ستؤول إليه.