عربي ودولي

السيسي يتخلى عن لوم المصريين ويبعث برسائل طمأنة
السيسي يتخلى عن لوم المصريين ويبعث برسائل طمأنة
 تخلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن أسلوب اللوم واختار توجيه رسائل طمأنة بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لثورة الثلاثين من يونيو، الأحد، والذي يأتي قبيل الإعلان عن شكل الحكومة الجديدة وهو ما يحتاج إلى أجواء سياسية مواتية للكشف عنها.

وأرسل السيسي إشارات مفادها أنه لا ينفصل عن الواقع الذي يعيشه الملايين من المواطنين، ويدرك حجم الصعوبات التي يواجهونها بعد تعرض الحكومة المستقيلة لانتقادات، متخليا هذه المرة عن توجيه اللوم لفئات شعبية، وجهت إليها أصابع الاتهام سابقا بعدم تحمل المسؤولية وضعف الإنتاج والإكثار من الإنجاب.

ووجه الرئيس المصري حديثه للمواطنين قائلاً “إلى كل رجل مصري وسيدة مصرية، يتحملون مشاق الحياة وارتفاع الأسعار خلال الفترة الأخيرة من أجل توفير الحياة الطيبة لأبنائهم، وإلى المكافحين الشرفاء من أبناء شعب مصر إنني أعلم بشكل كامل حجم المعاناة وأؤكد لكم أن شغلي الشاغل والأولوية القصوى للحكومة الجديدة تخفيف المعاناة وإيجاد المزيد من فرص العمل وبناء مستقبل أفضل لجميع أبناء مصر”.

وبرهن هذا الخطاب على أن تكليف الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي يتضمن العمل على حل المشكلات المعيشية، ما يسمح بقدر من الثقة بالشخصيات التي تتولى مناصب تنفيذية، والتي عليها التعامل مع الأزمات المتراكمة وحلها.

ولم يتردد الرئيس المصري في الخوض في أزمات عميقة وسعى لإيجاد حلول لمشكلات مزمنة، ما ألقى على عاتقه بثقل كبير، كان بوسعه تجنبه وتركه يتزايد ثم ينفجر في وقت لاحق، لكنه آثر المواجهة المباشرة وتحمل المسؤولية السياسية عنها.

وانطوى حديث السيسي، الأحد، على علامة بأن الدولة قادرة على التعامل مع هذه الصعوبات وتقف على أرض صلبة، لصد الشائعات ووقف حالة اليأس التي تبثها وسائل إعلام محسوبة على تنظيم الإخوان تعمل على خلق وضعية فوضوية، للثأر من النظام المصري المنبثق عن ثورة يونيو عام 2013 التي أزاحت حكم الإخوان.

وتطلبت الأجواء السياسية الساخنة التي تحيط بخروج الحكومة المنتظرة خطابا صريحا عن الأزمات الداخلية والقدرة على التعامل معها، بما لا يقود إلى حرق الحكومة قبل أن تبدأ مهمتها الفعلية، خاصة أن هناك قناعة لدى البعض بأن تغيير الأشخاص لا يكفي لانتشالهم من الأزمات المعيشية التي تحيط بهم.

كما أن بقاء رئيس الحكومة مصطفى مدبولي احتاج إلى جرعة من الدعم السياسي لتخفيف حالة عدم الثقة التي أصابت البعض نتيجة استمراره على رأس الحكومة الجديدة.

وقال أستاذ العلوم السياسية بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة إن كلمة الرئيس السيسي برهنت على أن الاستياء الذي ساد الشارع نتيجة لأزمات عديدة وصلت إلى القيادة السياسية، أشار إليها في خطابه، ما أوحى بوجود مكاشفة رئاسية، تساعد على ردم جزء من الهوة بين الحكومة والمواطنين.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن خطاب السيسي يحمّل الحكومة الجديدة مسؤوليات تحسين الأوضاع، ما يجعل هناك ضرورة أن تكون على قدر إنجاز المهام الموكلة إليها، ولدى الوزراء فيها قدرة على تحمل المسؤولية السياسية كاملة.

وأوضح أن المكاشفة تتطلب إعادة النظر في الأولويات القائمة لتحقيق تأثير جيد في نفوس المواطنين، على أن ترتبط الاهتمامات الحكومية باحتياجات الناس الأساسية التي تساعدهم على تحسين جودة معيشتهم خلال فترة زمنية وجيزة، وحال عدم تحقيق ذلك فإن الطمأنة التي بعث بها السيسي لن تحقق المرجو منها سياسيًا، ولن تنكسر الفجوة في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى الدعم الشعبي.

وشدد حسن سلامة في حديثه لـ”العرب” على أن التماسك الداخلي هدف إستراتيجي في ظل التحديات الخارجية الراهنة، ويصعب التحكم في الأوضاع المحلية إذا كانت الدولة تواجه اضطرابات في الداخل والخارج.

وترك تأخر الإعلان عن الحكومة الجديدة بعد شهر من تكليف رئيسها الحالي مصطفى مدبولي بتشكيلها إشارات على أن القيادة السياسية في مصر تتريث في اختيار فريق العمل الذي يتولى مهمة الإنقاذ الاقتصادي وتطوير الأداء الخدمي، ما يضمن عدم الوقوع في أخطاء اختيار أشخاص ممن لم تكن لديهم حنكة ورؤية لتحسين الأوضاع، ما يجعل الآمال تنعقد على الاستعانة بوزراء يتماشون مع طبيعة المرحلة الصعبة.

وقد لا تكفي رسائل الطمأنة لبث الهدوء في الشارع المصري، وهناك حاجة إلى توضيح عوامل اختيار الوزراء الجدد في مناصبهم وماهية التكليفات التي عليهم إنجازها في توقيت محدد، ما يتطلب وجود برلمان قوي يقوم بسلطاته الرقابية.

وكشفت إعادة التذكير بالأزمات المحيطة بمصر عن ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الأزمات المعيشية ليست وليدة أخطاء حكومية أو متوارثة فقط، حيث لعبت التطورات الدولية دورا فيها، إذ انخفضت عوائد قناة السويس وتأثرت مداخيل السياحة.

وأكدت مارجريت عازر القيادية بكتلة الحوار (وهي حزب تحت التأسيس يقف في منطقة وسط بين الحكومة والمعارضة) أن الرئيس السيسي أعاد التذكير بوحدة المصريين وقدرتهم على التعامل مع الأزمات الماضية في سبيل تكرار الأمر ذاته لتجاوز مشكلات الاقتصاد الحالية، وهدف إلى إقناع المواطنين بأن هناك تغييراً جذريا في السياسات جراء الاستعانة بوزارة جديدة، وأعاد التأكيد على أن تحسن الوضع المعيشي سوف يأتي لا محالة مع إصرار الدولة على مواصلة مشروعات التنمية.

وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن القيادة السياسية بدأت تضع في حسبانها تغير سلوكيات المواطنين بعد أن كان اللجوء إلى التظاهر سبيلاً للضغط على الحكومات السابقة، وتحاول التحرك من جانبها دون الوصول إلى تلك الحالة، وفي المقابل هناك انتظار شعبي لما يسفر عنه التشكيل الوزاري الجديد أملا في تحريك الجمود القائم بعد أن وقعت الحكومة المستقيلة في جملة من الأخطاء خلال الفترة الماضية.

ومن المتوقع أن تؤدي الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، الأربعاء، الذي يوافق الثالث من يوليو، وهو اليوم الذي شهد منذ 11 عاما إعلان رحيل الإخوان عن السلطة رسميا وتشكيل جبهة وطنية واسعة رمزية أوحت بالتلاحم العام والرغبة في التغيير.

 

01 يوليو 2024

هاشتاغ

التعليقات