عربي ودولي

موجة الحر تختبر قدرة الطاقة المتجددة على توفير ما يكفي من التبريد
موجة الحر تختبر قدرة الطاقة المتجددة على توفير ما يكفي من التبريد
كثف نشطاء البيئة خلال الفترة الماضية من تحركاتهم للتوعية بخطورة الإمعان في الاعتماد على الوقود الأحفوري حيث يرون في وسائل الراحة والترفيه في الحياة الحديثة أمراضا يجب القضاء عليها باسم إنقاذ المناخ. وعلى غير العادة حظي أسلوبهم خلال الفترة الماضية بقبول في وسائل الإعلام خلال موجتي الحر الشديدتين اللتين ضربتا جميع أنحاء العالم، باعتبار أن الاعتماد المتزايد على الوقود الأحفوري سبب رئيسي في ارتفاع درجات الحرارة.

ويبقى أنصار البيئة واضحين في كونهم يريدون من حكومات العالم أن تجبر السكان على التخلي عن الوقود الأحفوري. وهم يتخيلون عالما يُسن فيه عدد قليل من السياسات الحكومية المفبركة بذكاء، وينتقل إلى مصادر الطاقة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ليتحسن الطقس.

لكنّ تقريرا لموقع أويل برايس يعتبر أن هذه الطموحات لن تغادر عالم الخيال أبدا ولا يمكن لما يسمى بالمصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح دعم سكان العالم بمستوى التنمية الحالي. وستصبح ميزات مثل تكييف الهواء (الذي يتطلب الكثير من الطاقة) أكثر كلفة في أحسن الأحوال.

وارتفعت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية خلال شهر يونيو في شرق الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي وعطلة نهاية الأسبوع. كما شهدت المملكة المتحدة موجة حر بلغت مستويات أعلى بكثير مما اعتادت عليه المنطقة. والأكثر دراماتيكية أن الحرارة الشديدة قتلت أكثر من ألف شخص خلال موسم الحج هذا العام في المملكة العربية السعودية. وسُجّل تحطيم أكثر من أربعمئة رقم قياسي لدرجات الحرارة في جميع أنحاء العالم الأسبوع الماضي.

◙ لا يمكن لما يسمى بالمصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح دعم سكان العالم بمستوى التنمية الحالي

وعرضت وسائل الإعلام خرائط حمراء مخيفة وحاورت خبراء هستيريين لترويع الجماهير للاعتقاد بأننا على وشك الموت حرا. وتكررت عبارات “توقفوا عن ضخ ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي”. وبحسب التقرير فإن حظر الوقود الأحفوري هو أسوأ شيء يمكن فعله، إذا كان الهدف هو تجنب الوفيات المرتبطة بالحرارة حيث يجعلنا أكثر أمانا من موجات الحر من خلال تغذيته لتقنيات مثل تكييف الهواء والتبريد.

وغالبا ما يعتبر تكييف الهواء من المسلّمات. ويُذكر في أربعينات القرن التاسع عشر، قبل وقت طويل من تقنيات تكييف الهواء التي نعرفها اليوم، وجد طبيب من فلوريدا يدعى جون غوري أن تعافي مرضاه كان أفضل عند وضعهم في غرفة باردة. وطور لذلك نظاما لتبريد غرف المستشفيات. لكن الأمر تطلب قطع كتل ضخمة من الجليد ونقلها من البحيرات والأنهار المتجمدة في الولايات الشمالية. ولم يكن نظام غوري بهذا منطقيا على المستوى اللوجستي، لكن طريقته لتبريد الغرفة وضعت أساس تكييف الهواء الحديث.

وتوسع مهندس من نيويورك يدعى ويليس كاريير في تصميم غوري بعد ستين عاما، من خلال استخدام لفائف التبريد لتغيير درجة حرارة الهواء. واستحوذت وحدات تكييف الهواء الأولى على غرفة كاملة وكلفت كل واحدة منها ما يصل إلى 1.5 مليون دولار بدولارات اليوم. ولكن مع تسابق كاريير ومنافسيه لتحسين تصميماتهم، أصبحت وحدات تكييف الهواء أصغر حجما وأكثر كفاءة وبأسعار معقولة.

وكانت مشكلة وحدات تكييف الهواء المبكرة الكبيرة تكمن في المكونات التي استخدمت في المبردات، مثل الأمونيا والبروبان. وكانت هذه المواد سامة وقابلة للاشتعال ومتفجرة وغير فعالة. ثم تغير الأمر في 1928، حيث نجح توماس ميدغلي جونيور وفريقه في قسم فريجيدير التابع لشركة جنرال موتورز بتصنيع أول كلوروفلوروكربون، وأطلقا عليه الاسم التجاري الفريون. وقدم اعتماد مكون الكلوروفلوروكربون دفعا كبيرا لتكييف الهواء.

وفي ثلاثينات القرن العشرين، حين شهدت الولايات المتحدة أشد موجات الحر في تاريخها، انطلق تركيب وحدات تكييف الهواء في دور السينما. وفي نفس الوقت، أمكن تطوير أول وحدات مثبتة على النافذة. ولكن تكييف الهواء لم يصبح لاعبا أساسيا في المنازل الأميركية سوى بعد الحرب العالمية الثانية. وبحلول سنة 1960، أصبحت جل المنازل الجديدة في الولايات المتحدة مزودة بتكييف مركزي.

◙ تكييف الهواء يجعل الحياة أكثر راحة وأنقذ الأرواح وانخفضت الوفيات المرتبطة بالحرارة بنسبة 80 في المئة بعد اعتماده

ويجعل تكييف الهواء الحياة أكثر راحة. والأهم من ذلك أنه أنقذ الأرواح. وانخفضت الوفيات المرتبطة بالحرارة بنسبة 80 في المئة بعد اعتماده. وأصبحت مناطق مثل الجنوب الغربي القاحل والجنوب الشرقي الرطب أكثر ملاءمة للسكن واستقبلت عددا أكبر من الناس. ولكن كما أشار الاقتصادي الأميركي مارك ثورنتون تمتد فوائد تكييف الهواء إلى ما هو أبعد من إبقاء المرء باردا في يوم حار.

ولم يعد المهندسون المعماريون في حاجة إلى الاعتماد على النوافذ للتهوية، فقد سمح تكييف الهواء بتشييد مباني أكبر وأكثر ثباتا ويمكن أن تكون أعلى مما اعتُبر ممكنا في أيّ وقت مضى. وارتفعت ناطحات السحاب ووفرت المساكن والمساحات المكتبية في المناطق الحضرية دون الحاجة إلى المزيد من الأراضي. وهذا يعني أن تكييف الهواء الذي يجعل المساكن والمكاتب أكثر راحة يبقيها أيضا ميسورة الكلفة.

وتساعد تأثيرات التبريد وإزالة الرطوبة التي يوفرها تكييف الهواء في الحفاظ على الكتب والتحف التاريخية. فبفضل أنظمة التهوية وتكييف الهواء الحديثة، يمكن أن يكون لكل مدينة رئيسية في البلاد مكتبات وأرشيفات ومتاحف. ولم يكن هذا ممكنا من قبل.

كما ساعد تكييف الهواء بشكل كبير في إنتاج المنسوجات وإنجاح العمليات الجراحية وتعزيز النباتات وتربية الحيوانات وصناعة المستحضرات الصيدلانية والتنقل وحفظ الطعام ونقله. كما أنه أمر بالغ الأهمية لتبريد مراكز البيانات الضخمة التي تشغل الإنترنت.

29 يونيو 2024

هاشتاغ

التعليقات