أظهر التراجع الجديد في قيمة الريال اليمني تحوّل الوضع المالي إلى معضلة لم تفلح مختلف الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة المعترف بها دوليا في معالجتها توقيا من آثارها التي يمكن أن تتجاوز تبعاتها المجالين الاقتصادي والاجتماعي إلى المجال السياسي، حيث تتعرّض حكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك ومن ورائها السلطة الشرعية بقيادة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى ضغوط وانتقادات من قبل شركاء من ضمنهم أطراف ممثلة داخلها.
ولم تستفق الحكومة من صدمة تجاوز قيمة الريال لأول مرّة سقف الـ1700 ريال مقابل الدولار الأميركي الواحد حتى تفاجأت برواج إشاعة بشأن خروج مبالغ مالية كبيرة بعملة الريال السعودي جوّا إلى مدينة جدة بالسعودية دون علم البنك المركزي اليمني المتمركز في عدن.
ورغم تأكيد مصادر متعدّدة لعدم دقة المعلومات التي تناقلتها وسائل إعلام محلّية بشأن الموضوع، إلاّ أنّ مخاوف ثارت من تأثير الإشاعة في الرّأي العام بمناطق الشرعية، في ظل تحفّز سكان تلك المناطق للتظاهر احتجاجا على أوضاعهم المعيشية المتأثرة بشدة من عثرات القطاع المالي وانهيارات العملة المحلية وما تسبّتت به من غلاء كبير في أسعار المواد الأساسية.
◄ سعر الصرف في تعاملات السوق السوداء الموازية تجاوز مساء الأحد حاجز 1720 ريالا للشراء و1730 ريالا للبيع
وسارع البنك إلى نفي تلك المعلومات ووصفها بـ”التناولات الإعلامية المغلوطة التي تدل على جهل القناة (التي أوردتها) بالإجراءات الدولية الخاصة بالتعامل مع حمل النقد بواسطة الأفراد أو إجراءات ترحيله بواسطة البنوك أو الشركات المصرح لها في بلد الترحيل أو بلد الاستقبال”.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية سبأ عن مصدر في البنك قوله إن الإجراءات النظامية “لا تسمح بترحيل أو استقبال أي مبالغ تزيد عن عشرين ألف دولار كحد أقصى ما لم تكن مصحوبة بشهادات وتصاريح كتابية موثقة من السلطات النقدية إلى السلطات الجمركية في المنافذ الوطنية لخروج هذه العملات بعد أن تكون قد أخضعتها لكل معايير ومتطلبات التحقق الدولية المقرة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك إرفاق كل الوثائق المطلوبة والتصاريح الرسمية مع الشحنة إلى السلطات المعنية في بلد الاستقبال والتي بدورها تخضع كل شحنة لكل إجراءات التحقق والامتثال وهي إجراءات صارمة وحازمة”.
كما عبر المصدر عن أسفه “لصدور هذه المعلومات المضللة من وسائل إعلام يفترض بها أنها وطنية”.
وسجلت قيمة الريال اليمني بمدينة عدن ومحافظات جنوب وشرق اليمن خلال الأيام الماضية انخفاضا كبيرا مقابل الدولار والعملات الأجنبية.
وجاء ذلك وسط موجة غير مسبوقة من الغلاء وارتفاع أسعار السلع الغذائية مما ينذر بكارثة اقتصادية ومجاعة سبق وأن حذرت منها منظمات دولية ومحلية.
وتخطى سعر الدولار عتبة 1720 ريالا في أدنى مستوى للعملة اليمنية منذ نحو عامين. ويتزامن هذا مع أزمة كهرباء خانقة تنهك السكان في عدن والمحافظات المجاورة مع دخول فصل الصيف.
وتتهاوى قيمة العملة المحلية حاليا رغم استئناف البنك المركزي اليمني مزادات لبيع النقد الأجنبي للبنوك التجارية بعد أيام على حصوله على دفعتين من الدعم الاقتصادي الذي أعلنته السعودية للحكومة المعترف بها دوليا في عدن.
وقال البنك المركزي في عدن في بيان إنه باع الخميس الماضي 21.874 مليون دولار في مزاده السابع هذا العام، ويجريه عبر منصة إلكترونية.
◄ إشاعة تهريب أموال إلى الخارج تثير مخاوف من تأجيج غضب السكان المتحفزين للاحتجاج على سوء أوضاعهم
وقال مكتب صرافة في عدن لوكالة رويترز إن سعر الصرف في تعاملات السوق السوداء الموازية تجاوز مساء الأحد حاجز 1720 ريالا للشراء و1730 ريالا للبيع، بفارق 70 ريالا عن مستوى الصرف قبل أسبوع و120 ريالا قبل شهر.
وهذه أدنى قيمة تسجلها العملة المحلية منذ إعلان نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022 بدعم من التحالف الذي تقوده السعودية.
وأحجم مسؤول كبير في البنك المركزي في عدن عن التعليق على أسباب استمرار انهيار قيمة العملة واكتفى بالقول إنّ قياس الهبوط الحاصل حاليا بسوق الصرف على القيمة الإجمالية يظهر أنّه هبوط ضئيل “في وضع هو الأسوأ على الإطلاق لبلد بلا موارد معتمد على البنك المركزي في تغطية التزاماته”.
وتوقف القتال إلى حد كبير مع الحوثيين المتحالفين مع إيران في شمال اليمن خلال العام الماضي، لكن الحكومة المدعومة من السعودية في عدن تعاني بسبب تراجع قيمة العملة والنقص في الاحتياطيات الأجنبية وارتفاع الأسعار.
وتقول الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إن الاقتصاد تكبد خسائر بنحو ملياري دولار جراء توقف تصدير النفط الخام عقب استهداف جماعة الحوثي لموانئ نفطية في جنوب وشرق البلاد أواخر عام 2022.
ويوجد في البلاد بنكان مركزيان متنافسان أحدهما خاضع للحكومة المعترف بها في عدن والآخر لجماعة الحوثي في صنعاء.