تقارير

زرت مستشفى عبود ..  فأبكاني الداعري
زرت مستشفى عبود .. فأبكاني الداعري
المصدر :المركز العربي للأنباء| عقيد متقاعد / حسين العولقي
حين كنا صغارا في اعمارنا كانت احلامنا كبيرة ، كثيرا من هذه الاحلام مازلت مقيمة فينا ، فمن منا منذ الطفولة وحتى اليوم لا تبهره هيئة وصفة الطبيب ، ومن منا لا تبهره هيبة الطبيب العسكري، اكان جراحا او ممرضا او مخبريا، او من طواقم الاسعاف.  

قبل اسبوع زرت مستشفى عبود العسكري بالعاصمة عدن ،  قدمت إليها منكسراً ومحبطاً، موجوع الرأس مرفوع ضغط الدم لدرجة الدوار ، وخرجت منها كأن ملائكة الله قد غسلتني بماء العافية وعطرتني بموفور السعادة . 

مشاهد البناء والبعث والإحياء،  لمنشآت المستشفى ومكوناته من بين أنقاض ربع قرن من التدمير والاهمال ، واعمال تشييد وإستحداث ،  لأقسام  لم تكن موجودة ، تسطف وسط حركة دؤوبة ،  لتستقبل المريض والزائر بأثر مباشر وفعال من  الارتياح النفسي ، ولتؤكد لمن زار المستشفى قبل ثمانية اعوام، ان القيادة التي أعادت للمستشفى الحياة، جديرة في نيل ثقة القيادة العليا وابطال قواتنا المسلحة . 

دلفت الى قسم المختبرات ، واجريت فحوصات عدة ، ومن شدة إنبهاري ، اردت تقديم شكر لإدارة المستشفى ، فقلت للطبيب المخبري ، ايهما كان الاصعب عليكم ، معالجة علل وأسقام المستشفى، ام جراح وإصابات الجرحى في ظل إمكانيات شحيحة !! 
تبسم . واخذني بيده الى امام النافذة وقال مشيرا بيده الاخرى : إسأل ذاك ، والإشارة الى شاب ، يسيطر على ذهولك بحيويته ، ويخجلك بإخلاصه وتفانيه كلما إقتربت منه ، تشعر وهو يتحدث إليك، ولغيرك انه يرتب فيك اولويات العمل الوطني  ،  ويجيب عن أسئلة إندهاشك .. من احيا رميم هذا المستشفى الذي مات ! 

ضننت للوهلة الاولى  والثانية ،  انه مدير المستشفى ، غير ان مدير المستشفى صادفته وانا في طريقي لهذا الشاب ، كان المدير فيما يرتديه يثبت انه متمسك بشعارات أطراف الهدم لا البناء ، كان  يرتدي بزة عسكرية وطربوش يمني .. قلت له بصوت خفيض ، تدرج الى مستوى الصراخ : هذا الطربوش هو الداء وهو المرض والعلة التي ألمت بنا ووطننا الجنوب ، هو الذي يرتديه من يقاتله ابطالنا وهؤلاء الشهداء و الجرحى الذين يتوالون تباعا الى المستشفى .

اجابني بغضب ..  انت اكبد  تبع المجلس الانتقالي. 

لم اجبه لأن غصة لفت حول عنقي كحبل مشنقة ، ومضيت نحو  ذاك الشاب ، اخذت معه صورة فقط ، وعرفني به الجرحى والمرضى 
 قالوا :  هذا هو  الدكتور عارف الداعري رئيس دائرة الخدمات الطبية للقوات المسلحة الجنوبية . 
قلت بموجة سرور  :  يا دكتور ؛ هناك من خُلق مفطوراً على خدمة الناس وإعانتهم ، افاوى الى مهنة الطب اولاً،  وهناك من ولد بجين فدائي فرابط على حدود وطنه وجبهاته وأمنه واستقراره ، فهنيئا لك ولأمثالك الذين جمعوا بين الاثنتين ، طبيبا وعسكرياً في الوقت نفسه .. قبلني على رأسي ، فأخذتني  العبرة وبكيت فرحاً باليوم والذي يليه من باقي العمر ..

11 مايو 2024

هاشتاغ

التعليقات