تخشى دوائر سياسية وعسكرية يمنية من أن تطال تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية الحادّة التي يشهدها اليمن القوات المسلّحةَ التابعة للسلطة المعترف بها دوليا، وقدرتها على ضبط الأوضاع في مناطق سيطرة الشرعية، والتصدي لإرهاب تنظيم القاعدة ومواصلة المواجهة ضدّ جماعة الحوثي، خصوصا بعد أن جدّدت الجماعة تهديداتها لأجزاء من تلك المناطق.
وأثارت تلك الخشيةَ برقيةٌ وجّهتها قيادة دائرة الإمداد والتموين التابعة لوزارة الدفاع إلى رئاسة مجلس القيادة الرئاسي حذّرت فيها من نفاد المخزون الغذائي الخاص بقوات الجيش في عدن والمناطق المحيطة بها، مطالبة الرئيس رشاد العليمي بالتدخل لمنع حدوث أزمة في تموين القوات.
وتعيش مناطق الشرعية اليمنية على وقع أزمة اقتصادية ومالية بسبب الشحّ الشديد في التمويل نتيجة توقف موارد السلطة من تصدير النفط بسبب استهداف الحوثيين لمنافذ وخطوط التصدير.
برقية من قيادة دائرة الإمداد والتموين إلى مجلس القيادة الرئاسي تحذر من نفاد المخزون الغذائي لقوات الجيش
وانعكست الأزمة بحدّة على الأوضاع الاجتماعية والعيش اليومي لسكان تلك المناطق بسبب موجة الغلاء الشديد لأسعار المواد الأساسية والناتجة بدورها عن انهيار قيمة العملة المحلية بعد أن لامست سقف الـ1700 ريال لكل دولار أميركي واحد.
وباتت السلطة اليمنية تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية لمواصلة تلبية مطالب السكان في حدّها الأدنى والإنفاق على تسيير الشأن الخدمي والإداري والأمني في مناطقها.
وتُمثّل تلك المساعدات ضمانة لاستمرار القوات المسلّحة اليمنية في مهامها الحساسة دون أن يمنع ذلك من مواجهتها لبعض الصعوبات المالية التي تتجلّى بوضوح في عدم انتظام دفع رواتب منتسبيها في آجالها المحدّدة.
وورد في البرقية الموجهة من مدير دائرة الإمداد والتموين بعدن إلى كلّ من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة، ومساعد وزير الدفاع للشؤون اللوجستية، والمفتش العام للقوات المسلحة، والتي تسرّبت إلى الإعلام المحلي اليمني ونشر نصّها موقع “عدن اليوم” الإخباري، أنّ الدائرة باتت غير قادرة على تلبية كافة احتياجات الجبهات والمناطق العسكرية الأخرى.
كما تضمّنت البرقية تحذيرا مما يمكن أن ينجم عن الأزمة، معلنة عدم مسؤولية دائرة الإمداد أمام الجهات الرسمية مما سيحدث للجبهات نتيجة تأخير توريد المواد الغذائية.
وقال مدير الدائرة في برقيته “نحن نعاني من عجز شديد غير مسبوق والوضع أصبح في غاية الخطورة علما أن مخازن الدائرة الأساسية والاحتياطية قد استنفدت، وأصبحنا غير قادرين على تلبية احتياجات المقاتلين في الجبهات والمناطق العسكرية ليوم واحد”.
وخاطب الجهات العليا المسؤولة في السلطة بالقول “نود أشعاركم بأننا على مشارف نهاية الثلث الأول للربع الثاني للعام 2024 ولم تصل إلينا أيّ مواد غذائية حتى الآن”.
وأضاف “تكرموا بمخاطبة الجهات المعنية بتوريد مستحقات القوات المسلحة من المواد الغذائية بصورة مستعجلة”.
وأصبحت الأزمة المالية الشديدة القائمة في مناطق السلطة المعترف بها دوليا، تطال طيفا واسعا من الأفراد العاملين ضمن القوى العسكرية والأمنية الذين التحقت أعداد كبيرة منهم بصفوف الفقراء جرّاء الصعوبات الكبيرة التي يواجهونها في إعالة أسرهم.
وسُجّلت خلال الأشهر الأخيرة انفراجة ظرفية في صرف رواتب الأمنيين والعسكريين بفضل المساعدة المالية التي قدّمتها المملكة العربية السعودية للحكومة اليمنية برئاسة أحمد عوض بن مبارك والبالغة قيمتها ربع مليار دولار.
مناطق الشرعية اليمنية تعيش على وقع أزمة اقتصادية ومالية بسبب الشحّ الشديد في التمويل نتيجة توقف موارد السلطة
وتساهم مثل تلك المساعدات في توفير حلول ظرفية لأزمة دفع الرواتب التي سرعان ما تعود، بالنظر إلى الاستهلاك السريع للمساعدات التي يذهب جزء كبير منها لتغطية العجز في الموازنات التشغيلية لمؤسسات السلطة اليمنية بدل أن يتم استثمارها في مشاريع مدرّة للدخل وصانعة للثروة.
ويشكل الوضع الاجتماعي الصعب لمنتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية في مناطق الشرعية سببا لتذمّر المنتسبين الذين اضطرت أعداد منهم للانقطاع عن العمل والبحث عن موارد رزق أخرى.
وتلفت دوائر سياسية وإعلامية إلى الطبيعة الحساسة لمهام تلك الأجهزة وتحذّر من أن يؤثّر الوضع الاجتماعي لمنتسبيها على أدائهم وأن يضعف ممناعتهم لإغراءات أصحاب الأموال المستعدين لدفع الرشاوى للحصول على خدمات وامتيازات قد تكون مخالفة للقوانين ومخلّة بالأوضاع الأمنية.
وبدأت تأثيرات الأزمة المالية تتوسّع لتطال تماسك السلطة الشرعية اليمنية وعلاقة مكوناتها ببعضها بعضا.
وأثار التراجع الشديد في مستوى الخدمات الأساسية في مناطق الشرعية حفيظة المجلس الانتقالي الجنوبي أحد أهم مكوّنات مجلس القيادة الرئاسي، الذي وجّه تحذيرا شديد اللهجة لحكومة بن مبارك واصفا أداءها في مجال الخدمات بالعبث.
وقال المجلس في بيان أصدره في وقت سابق من هذا الأسبوع إنّه رصد “بوادر فشل حكومي واضح في إدارة ملف الخدمات، والتي بدأت ملامحها بالظهور مع دخول الصيف الحالي”.
وشدد “على ضرورة أن تكون لمجلس القيادة الرئاسي إجراءات حازمة وحاسمة تُوقف العبث المستمر في هذا الملف، وتكبح جماح القوى التي تحاول استغلال معاناة المواطنين للابتزاز السياسي”.