دفع المجلس الانتقالي الجنوبي بفكرة إنشاء هيئة أركان للقوات التابعة له، في وقت كثّف فيه رشاد العليمي رئيس السلطة اليمنية المعترف بها دوليا من الحديث في خطابه السياسي عن جهود توحيد القوات المسلّحة المحسوبة على المعسكر المضاد للحوثيين تحت قيادته.
وبينما يبدو مسعى توحيد القوات أمرا منطقيا كخطوة ضرورية لإنشاء جبهة موحّدة ضدّ جماعة الحوثي ولمواجهة استحقاقات التسوية السلمية للصراع اليمني والتي تعمل عليها الأمم المتحدة إلى جانب شركاء ووسطاء إقليميين، تبدو بنفس القدر متناقضة مع الهدف الأساسي المعلن من قبل المجلس الانتقالي والمتمثّل في استعادة دولة الجنوب المستقلّة، والتي تُعتَبر قوات المجلس عمودها الفقري.
وتحدّث عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الذي يشغل أيضا منصب عضو مجلس القيادة الرئاسي بقيادة العليمي، في كلمة ألقاها خلال اجتماع ضمّ مختلف قادة الوحدات العسكرية والأمنية التابعة للمجلس، عن القوات الجنوبية باعتبارها “صمام أمان للوطن” الذي هو بالنسبة للمجلس دولة الجنوب التي قال الزبيدي إنّ شعب الجنوب فقدها في تسعينيات القرن الماضي، في إشارة إلى الوحدة التي أنجزت آنذاك بين شمال اليمن وجنوبه.
وأكّد المضي في إعادة هيكلة تلك القوات قائلا “لدينا تشكيلات كثيرة للقوات الجنوبية وتسليحنا ممتاز ونحن على قلب رجل واحد”، مضيفا قوله “سنتجه لتأسيس هيئة ركن للقوات الجنوبية تضم كل التشكيلات، ونحن ماضون في ذلك”.
ويتعارض هذا المسعى الجنوبي بشكل جوهري ما دأب العليمي على ترديده بشأن توحيد القوات المسلّحة التي تعني بالنسبة إليه مختلف الشكيلات العاملة في المناطق التابعة للسلطة الشرعية والممسكة بالأراضي الواقعة خارج سيطرة الحوثيين.
وأعلن العليمي في أحدث لقاء جمعه في عدن مع قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة ورؤساء الهيئات وقادة القوات والمناطق والمحاور العسكرية وهيئة العمليات المشتركة، عن المضي في برنامج توحيد القوات المسلحة والأمن، وكافة التشكيلات العسكرية وإعادة تنظيمها وتكاملها تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية وفقا لما نص عليه إعلان نقل السلطة.
وكان من ضمن ما نص عليه الإعلان المذكور الذي انشئ بموجبه مجلس القيادة الرئاسي وانتقلت بفعله السلطة من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى العليمي “تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها أن تمنع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية، وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللاّزمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن”.
◙ توجّه قيادة الانتقالي الجنوبي نحو إنشاء هيئة أركان للقوات الجنوبية ينسف مساعي رئيس السلطة لتوحيد القوات
وبدت تلك الأهداف المنصوص عليها في الإعلان مبالغة في طموحها بالقياس على ما هو قائم على أرض الواقع، وبالنظر إلى صعوبة إقناع المجلس الانتقالي بالتفريط في قواته التي تمثّل نقطة ارتكاز مشروعه في استعادة دولة الجنوب، ورهنها لقيادة أخرى غير قيادته.
ويحمل عيدروس الزبيدي بالإضافة إلى صفته كرئيس للمجلس الانتقالي الجنوبي صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية.
وقال العليمي إنّ “مبدأ الجيوش الوطنية بوصفها صمام أمان للأوطان لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار واحدية القرار العملياتي على مختلف المستويات”، مؤكّدا أنّ “برنامج التدريب والتأهيل الذي تم الشروع في تنفيذه سيبقى أولوية للقيادة العامة وجزءا رئيسا في خطط وزارة الدفاع وهيئة الأركان وكافة التشكيلات لتأهيل كوادر القوات المسلحة وبما يلبّي احتياجات مسارح العمليات ومستجداتها المختلفة”.
وسبق للانتقالي الجنوبي أن عبّر بشكل صريح عن رفضه دمج القوات التابعة له ضمن قوات الشرعية اليمنية، نافيا وجود أي ترتيبات في ذلك الاتّجاه.
وجاء ذلك على لسان محمد النقيب المتحدّث باسم القوات المسلحة الجنوبية الذي قال إنّ هذه القوات وجدت من أجل حماية الجنوب وترابه وسيادته وحقوق شعبه.
ولا يقبل المجلس بأي حديث عن دمج قواته وتوحيدها مع قوات السلطة الشرعية إلا في حدود بعض الإجراءات البسيطة من قبيل توحيد رواتب المنتسبين.
وقال النقيب إنّ “ما يجري في الواقع العملي هو عملية ترتيب وتنظيم وحصر ومساواة مرتبات القوات المسلحة الجنوبية والأمن، وهذا ما تعمل عليه اللجنة الأمنية العليا”، مؤكّدا أنّ “الحديث عن الدمج لا صحة له مطلقا”.
وانبنت القوات المسلّحة الجنوبية بشكل تدريجي على مدى السنوات الماضية حتى تحوّلت إلى رقم صعب في المعادلة الأمنية والعسكرية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، وذلك بفعل الدور الذي لعبته سواء في صدّ زحف قوات الحوثي على مناطق جنوب اليمن وطردها من المناطق التي دخلتها بالفعل، أو في تصديها لتنظيم القاعدة الذي حاول استغلال حالة عدم الاستقرار في البلاد للسيطرة على عدد من المناطق.
ورغم أنّ المجلس الانتقالي يعتبر إلى حدّ الآن الطرف الأكثر وضوحا في رفضه دمج قواته ضمن قوات الشرعية، إلا أنّه لا يمثل العائق الوحيد أمام طموح رئيس السلطة اليمنية لتوحيد القوات المسلّحة، ذلك أن قسما هاما من تلك القوات ما يزال خاضعا بشكل عملي لحزب التجمّع اليمني للإصلاح الذراع المحلية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
ويقود عدد من كبار الضباط التابعين للحزب عدّة تشكيلات عسكرية، ويعلنون ولاءهم للسلطة الشرعية دون أن يلغي ذلك دورهم في تأمين وحراسة دور الحزب الذي ينتمون إليه ومكانته في السلطة.