مقالات

السلاح ليس الحل.. لا حل إلا بـ
السلاح ليس الحل.. لا حل إلا بـ"الدولتين"

نشبت حروب كثيرة على مرّ التاريخ، منها كانت خاطفة وقصيرة وبعضها طالت لمائة عام أو أكثر. لم توصف حرب واحدة بأنها راقية، بل كل الحروب من دون استثناء اتصفت بالعنف وبأضرارها على المدنيين العزل، وبالهمجية والبربرية مهما حاول من يشنها أن يقولب الإعلام المتاح لإخفاء حقيقة مظالمها وجورها وفتكها.

بدأت حرب 6 يونيو 1967 بعمليات خاطفة دامت ستة أيام، لكنها استمرت بحرب استنزاف حتى نشبت حرب 6 أكتوبر 1973 لتكتب بنهايتها استعادة شبه جزيرة سيناء بعد مفاوضات كامب دايفيد التي أسفرت عن سلام بين مصر واسرائيل.

شنت فرنسا حربها على فيتنام، لتحيلها فيما بعد إلى الولايات المتحدة التي وسعت جغرافيتها لتشمل كل من كمبوديا ولاوس. انتهت الحرب بعد مفاوضات باريس الى انسحاب كامل للجيش الأميركي، ونيل فيتنام سيادتها الكاملة على أراضيها مع شكل الحكم الذي اختارته.

حينها تغنّى السوفيات والماوتسيين ومعهما الأحزاب الأممية الدائرة بفلكهما بعظمة مقاتلي الفيتكونغ وبراعتهم وكفاحهم ونضالهم بوجه الإمبريالية والاستعمار الجديد، وبأساليب قتالهم في الخنادق والغابات والأنهر. حتى أنّ بعض قادة حركات التحرر ذهبوا إلى فيتنام - ومنهم في الحرس الثوري الإيراني ومن حماس ذاتها - للاستفادة من تجارب الفيتكونغ لتطبيقها على أرض الميدان وللتعلم من حفر الأنفاق وكيفية ربطها ببعضها لتشكل فيما بينها شبكة عنكبوتية متصلة المسارب تحت الأرض.

عُرفت هذه الأنفاق لاحقا في القطاع باسم "مـتـرو غـزة ". غير ان التغني بأمجاد فيتنام البطولية وكيفية مقارعتها للإمبريالية انتهى مفعولها عندما أدارت فييتنام ظهرها لكل من موسكو وبكين، وتطلعت الى التعاون مع الولايات المتحدة، فخرست أصوات التطبيل "للمقاومة المسلحة" من طهران وصولا إلى كل أدواتها في المنطقة.

لن تخرج حرب "طوفان الاقصى" وعملية "السيوف الحديدية" عن مسار الحروب وما يطبعها من سمات عامة مشتركة. كل منها لا تتصف بالنقاوة وببعدها عن الإساءة للمدنيين والمسالمين أطفالا وعجزة. وبسبب مآسيها ودمارها لم تبتعد لتعد حربا نظيفة، فالحروب بطبيعتها عنيفة ووسخة. كيفما أتت نتائج الميدان والعمليات العسكرية المتبادلة، يبقى المعيار ما حققته الحرب بالسياسة لا بأي معيار نسبي آخر.

من ناحية حماس، وبعد أن تطول المعارك لأسابيع أو أشهر، فإنّ أقصى ما يمكن تحقيقه من عملية "طوفان الأقصى" سيقتصر على تبادل أسرى. فما يطرحه البعض من طهران مرورا بالضاحية الجنوبية لبيروت وصولا إلى قيادة حماس والجهاد، من أن عملية "طوفان الأقصى" ستزيل دولة إسرائيل يبقى مجرد شعارات بعيدة عن الواقع وعن ميزان القوى. ففي السياسة هناك حسابات ولا كل ما يتمناه المرء يدركه، رغم أنّ حلمنا جميعا أن تُزال دولة إسرائيل، في وقت تبقى السياسة فن الممكن.

فكيف إذا تُركت حماس وحيدة على أرض الواقع، من دون أي ترجمة فعلية لما يسمى "وحدة الساحات". جميع الإشارات تدل على أن إيران ضحت بأهل غزة وبأطفالها وشيوخها وبيوتها وأحيائها وأبراجها وبنيتها التحتية. فطهران كعادتها تطلق الشعارات وتحمّس حماس والجهاد والفصائل، فيتكبد الجميع خسائر الحرب بينما تسعى إيران لتحقيق أجندتها الخاصة من دون أن تعيد لاحقا بناء ما تدمر. فاختصاص طهران تدمير المجتمعات لا بناء الدول. فمهما أطلق الحوثي من مسيرات وصواريخ لتسقط فوق البحر الأحمر، ومهما اندفعت عناصر بمليشيات في الحشد الشعبي وأطلقت صواريخ وقذائف باتجاه القوات الأميركية، إلا أنّ ذلك يبقى فارغا. فلو أرادت فعلا تطبيق "وحدة الساحات" فها هي موجودة قرب الجولان المحتل وعلى كامل أراضي سوريا، والحرس الثوري في جنوب لبنان كتفا إلى كتف مع حزب الله. كل ما عليها هو إعلان مشاركتها في قتال وحدة الساحات بدلا من تنصلها من تغطيتها لعملية "طوفان الاقصى" مع إعلان عبد اللهيان استعداد إيران للإفراج عن الرهائن لدى حماس والجهاد.

فحرب ايران في قطاع غزة لن تحقق لفلسطين أي مكسب سياسي.

على غرار طهران، فمن ناحية تل ابيب ومهما بلغت درجة التدمير ومهما اشتد القصف الجوي والبري والبحري، وتم تدمير الأنفاق بوسائل كيميائية أو بإغراقها بالمياه أو بالغازات السامة، ومهما أعدمت إسرائيل من عناصر وقادة ووجهت ضربات فوق الأرض وتحتها، ووسعت حربها "البربرية" لتطال المدنيين وتهجيرهم من شمال القطاع لوسطه وجنوبه ولاحقا من الجنوب إلى جنوب الجنوب. إلا أنّ كل هذا التدمير البالغ ذروته لن يقضي على القضية الفلسطينية. فاحتلال بيروت لم ينهِ القضية الفلسطينية، والاغتيالات في تونس والجزائر ودمشق وبغداد لم تمنع تنامي التأييد لهذه القضية المهمة والمحقة.

مهما أساءت إيران للقضية الفلسطينية واستغلت تل أبيب هذه الإساءآت لمنع قيام الدولتين، وكما استغلال تل أبيب للتطرف المدعوم من التطرف الإيراني خدمة لمشروع المتطرفين في إسرائيل وعلى رأسهم بن غفير وسموتريتش ونتنياهو، إلا أنّ السلاح ومهما طال استعماله وجار بطشه فلن يكون الحل.

كان الحل وسيبقى بالمشروع العربي المتمثل بالأرض مقابل السلام وقيام دولتين بالرغم من الرفض الاسرائيلي والايراني المشترك لذلك.

11 نوفمبر 2023

هاشتاغ

التعليقات

الأكثر زيارة