لا أدري لماذا يصر الزميل النائب البرلماني الوزير السفير علي العمراني على تقديم نفسه كمدافع مستميت على حرب 7/7 وما أنتجته من مآسي ليس فقط على الجنوب والجنوبيين ولكن على كل اليمن بشعبيه الصابرين الموجوعين في الشمال والجنوب بفعل حماقة الساسة الذين حولوا تاريخهما إلى غنائم خاصة بهم، وبفعل هرمون الطغيان الذي يجري في دماء حكامها ونخبها السياسية.
وفي كل مرة أقرر فيها عدم مجاراة الزميل السفير الوزير النائب في ترهاته وفذلكاته البائتة أجدني مجبرا على العودة لتفنيد الافتراءات التي يأبى إلا أن يكررها في كل مرة متصدراً قائمة المدافعين عن مصالح الناهبين والباسطين وسارقي الثروات والأراضي والوظائف الجنوبية (والشمالية معاً) وقوائم الأسماء الوهمية.
في مقالته التي اتخذ لها العنوان الساخر "أقطع يدي إن كنت وحدوياً" الذي استدعاه مما نسب إلى المناضل الأوكتوبري الأستاذ والوزير السابق فضل محسن عبد الله وقيل إنه قاله أمام الرئيس السابق صالح بعد العدوان على الجنوب في حرب 7/7 إياها، وهو ادعاء لا يمكن إثباته أو دحضه، لكن دافع السخرية في اختيار العنوان كان واضحاً، وهذا ليس موضوعنا، أقول في هذه المقالة يبرهن الزميل أنه لا يعيش ما يعيشه الناس في جنوب اليمن وشماله، فهو يتحدث وكأننا ما نزال في صبيحة 7/7 يوم إعلان "إسقاط مشروع الردة والانفصال" كما ظل إعلام المنتصرين يكرر على مدى ربع قرن، بل لقد نسي أن هناك ثورة جنوبية سلمية دامت أكثر من خمس سنوات قدمت ما يزيد على عشرة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمصابين قبل أن تتحول إلى مقاومة مسلحة انتهت باندحار قوات تحالف 94 و2015م، مثلما نسي أن هناك ثورة شبابية سلمية قد قامت في الشمال وفككت تحالف 7/7 نفسه قبل أن تتحول إلى صفقة سياسية كان للزميل منها نصيب (مش بطال)، ونسي أن الجمهورية قد سقطت بأيدي أحفاد حميد الدين وبدر الدين، وأن الذين يتصدى للدفاع عن منهوباتهم قد نزحوا في أقطارٍ شتّى من العالم وكثيرين منهم يعترفون بأن الجنوب والجنوبيين عوملوا معاملة الأرض والشعب الواقعين تحت الاستعمار، ونسي وربما تعمد أن لا يلاحظ أن وضع الدولتين قد صار واقعا ملموسا على الأرض ولم يتبق إلا البيان الأول والاعتراف الدولي به، حتى وإن كان الحكام في الدولتين هم من أبناء الشمال الشقيق.
يحشو الزميل العمراني مقالته بمجموعة من العبارات المتخبطة والمخيطة عشوائيا بين بيان الرئيس البيض في 21 مايو 1994م ومقتل الغشمي في يونيو 1977، واغتيال كل من رئيس الوزراء عبد الله الحجري ونائب رئيس الوزراء محمد أحمد النعمان ليتهم بها قيادة جمهورية اليمن الديمقراطية، وإن جاء بهذا على سبيل الإشادة بتلك القيادة باعتبار ذلك كان دفاعا عن (الوحدة اليمنية) ثم ينتقل إلى سالم ربيع وصالح مصلح وما قالاه عن الوحدة، وينسب إلى الرئيس علي ناصر محمد أنه قال على لسان الشهيد صالح مصلح "لأ بد من تحقيق الوحدة حتى لو قتلت أنا وابني لحسون من أجلها" ولا يفوته اللعب على أكذوبة اشتراط إخراج الرئيس علي ناصر من صنعاء عشية 22 مايو 1990 وهي الفرية التي دبرتها أجهزة مخابرات الرئيس صالح وانطلت على كثيرين وأعجب بها كثيرون ومنهم الزميل العزيز الذي لا يوردها من باب الحب للرئيس العزيز أبي جمال ولكن لغاية في نفس العمراني يعلمها كل ذي لبٍ فطين.
لكن الزميل الدبلوماسي الذكي الذي يحاول تسخير كل هذه الخلطة العجيبة من الحقائق القليلة والأقاويل والافتراءات الكثيرة ينسى أنه من حيث أراد توظيفها لبرهنة الدفاع عن (الوحدة) إنما ينسف كل ما يحاول برهانة من الأساس.
من الواضح أن المقالة يوجهها كاتبها ضد الرئيس رشاد العليمي وفريقه الذين يتحدثون بلغة زئبقية لا مضمون فيها ولامحتوى عن القضية الجنوبية، مثل عبارات "وضع إطار تفاوضي للقضية الجنوبية" و"احترام تطلعات أبناء الجنوب" و"القضية الجنوبية العادلة" وغيرها، مستكثرا على الجنوبيين هذه العبارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تقدم للجنوبيين ما يساوي قطرة دم" أقول قطرة واحدة فقط" من شهيد أزهقت روحه قوات أمن دولة (الوحدة) التي يدافع عنها سعادة السفير الوزير النائب البرلماني، ولست هنا بصدد موقفه من الدكتور العليمي فكلاهما من نفس الحزب الذي غزا الجنوب ودمر دولته ودمس تاريخه وأقصى أبناءه، وكلاهما يمثلان طرف سياسي وجغرافي واحد وسيتفقان بطريقة أو بأخرى وما الخلاف بينهما إلا في درجة الفجاجة والاستكبار في التصدي لقضية شعب الجنوب والاستخفاف بدماء وأرواح أبنائه وإرادة أهله وحريتهم ومستقبلهم.
الحقيقة أنني حاولت أن أجد قضية ذات معنى يمكن المناقشة حولها مع الزميل الدبلوماسي المحترف فلم أجد غير التحويم حول مفردات من تلك التي لم يعد لها أي وجود على الأرض من قبيل "وحدة وأمن واستقرار اليمن وسلامة أراضيه" و"سيادة اليمن" و"أعظم منجز حققه اليمنيون في القرن العشرين" وتكرار العتاب على الرئيس العليمي وعلى الأشقاء في السعودية وسفيرهم محمد آل جابر لأنهم يقولون أنهم يحترمون ما يقرره اليمنيون، بل ويستشيط الزميل غضباً من عبارات مثل “حق تقرير الجنوب لمستقبله السياسي،” أو الإيمان "بحق تقرير الخيارات السياسية للجنوب" والعتاب على الأشقاء في المملكة أن يتحدثوا عن "حق تقرير المستقبل السياسي"أو ما أسماها ( حكاية) "احترام التطلعات" وهو في هذا يكشف عن نزعة استبدادية وطغيانية تبلغ درجة الحالة المرضية، لأنه لا يمكن أن نفهم كيف يسمح إنسان سوي سليم العقل والفطرة لنفسه أن يمنع عن الناس حق تقرير خياراتهم السياسية واحترام تطلعاتهم لينصب نفسه وحده وصيا عليهم وآمرا ناهيا لهم وكأن لسان حاله يقول: أنا الوحبيد الذي يحدد لكم ما تقولون وما تفعلون، أو ما قاله فرعون ذذات زمنٍ "ما أريكم إلا من أرى".
وحتى لا يطول الاسترسال في الجزئيات الصغيرة التي احتواها منشور الزميل العمراني فإنني سأسمح لنفسي بمناقشة العناوين التالية معه:
· ما هي الوحدة التي تتحدث عنها أيها الزميل؟ أهي وحدة 22 مايو أم وحدة 7 يوليو أم وحدة ما بعد سبتمبر 2015م؟ أم الوحدة التي حلم بها الحمدي وسالمين وصالح مصلح وعلي ناصر وعبود وعلي عبد المغني وعبد الله با ذيب والرئيس السلال أم ماذا؟
لقد سقطت وحدة 22 مايو صبيحة 7 يوليو وسقطت الأخيرة في 2015م يوم دخلت الجماعة الحوثية تطارد الرئيس الشرعي لـ"الوحدة والوحدويين" إلى قصر المعاشيق، أما باقي الأحلام والتمنيات فمن حق كل واحد أن يحلم ويتمنى ما يشاء وسنعتبر حديثك الطويل العريض في هذا المنشور وما سبقه وما سيليه في هذا الإطار ليس إلا.
· ولأن مفاهيم كـ"الوحدة" و"الانفصال" هي مفاهيم نسبية وقابلة لعشرات التأويلات والتفسيرات، ولأنك استهللت مقالتك بعبارة " كان المشروع الإنفصالي يجلب الخجل والتواري والعار، وحري به أن يبقى كذلك على الدوام وإلى الأبد .. وفي زمن الأحرار" فإنني أود أن أسألك ما هو الانفصال ومتى بدأ ومن هو من يبغي أن يخجل ويتوارى ويشعر بالعار؟
إن الانفصال هو تقسيم ما يفترض أنه "شعب واحد" إلى شعبين والأرض إلى أرضين في إطار ثنائيات: الأصل والفرع، السالب والمسلوب، الغالب والمغلوب، المتبوع والتابع، الناهب والمنهوب، المنتصر والمهزوم، الغازي والأرض المغزوة، المحارب وصاحب الأرض التي صارت وما عليها ومن عليها غنيمة حرب بيد هذا المحارب، ذلك هو الانفصال الحقيقي وهو ما تم منذ 7/7/1994م وما تزال نتائجه قائمةً حتى اليوم، وما تلى ذلك من سياسات إقصائية وتمييزية وتدميرية ضد كلما وكل من هو جنوبي، كل ذلك لم يكن سوى تداعيات ونتيجة طبيعية لهذا الانفصال.
إذن فالانفصالي الحقيقي الذي ينبغي أن يشعر بالخجل والعار والتواري وهو المعسكر الذي تدافع عنه وكل من يتبنى السياسات التي تتبناها يا صديقي العزيز
· أعود وأذكرك أيها الزميل أنني قد قرأت مقالا مشابها لنفس مقالك في مطلع العام 1995م أي بعيد حوال ستة أشهر من التاريخ المبغوض عند الجنوبيين 7/7 ويكاد صاحبه أن يقول نفس الكلام الذي قلته في هذا النشور، ولولا وجود أسماء مثل رشاد العليمي والقرارات الدولية لاعتقدتك استنسخت نفس المقال، لكن هذا الكلام كان يصلح للعام 1994م وربما سنة أو سنتين مما بعده من زمن انكسار الجنوب وانتصار قوى الغزو والهمجية وأصحاب فتوى الاستباحة والقتل، بيد إنه لم يعد صالحا اليوم و"في زمن الأحرار" كما قلت، بيد إنني لم أفهم من هم الأحرار الذين تقصدهم في حديثك، أهم الذين حرروا أراضيهم في مائة يوم؟ أم الذين سلموا ديارهم ومناطقهم لتلاميذ علي خامينائي وهربوا إلى الخارج ليتهجموا على صناع الحرية الحقيقيين؟
· لقد حاولت وأنا أقرأ منشورك وأعيد قراءته مرات مرات، أن أعثر على عبارة واحدة أو جملة أو حتى مفردة تطالب فيها بتحرير صنعاء وكل محافظات الجمهورية العربية اليمنية أو حتى بعضها من هيمنة وجبروت وجرائم الجماعة السلالية العنصرية التي تخدم المشروع الفارسي وتمثل مخلبه الأطول في غرب الجزيرة العربية والبحر الأحمر ومضيق باب المندب، لكنني لم أجد شيئا من هذا فأنت مشغول بدعاة "تفتيت اليمن"، وكأن اليمن لم تتفتت بعد، ولم أجد سببا لعدم تعرضك لهذه الجماعة العنصرية، إلا إذا كنت تمهد لشيء ما لا أحد يعؤفه إلا سعادتك!!
أما حديث الزميل العمراني عن احترامه للرئيس السابق علي عبد الله صالح حمل رسالة اعتذار وتودد لورثة الرئيس السابق أعتقد أنهم سيلتقطون هذه الرسالة وسيضعونها قيد اهتمامهم وسيتخذون الرد المناسب الذي ينتظره الزميل السفير النائب البرلماني الوزير علي العمراني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك