حديثي اليوم عن المقابر والمحارق والموت عموماً –أبعدنا الله عنه أطول مسافة زمنية ممكنة، غير أن مشيئة الله جعلت الموت يدرك الناس حتى لو كانوا في بروج مشيدة– يعني (ماكو فكة) .
ومن ضمن قراءتي للأستاذ فهد عامر الأحمدي أنه قال:
«جزيرة جافا الإندونيسية تعد أصغر جزيرة مكتظة بالسكان في العالم، فرغم مساحتها الصغيرة تضم لوحدها 90 مليون نسمة، وبما أن جميع سكانها تقريباً مسلمون، فالمقابر استحوذت فيها على مساحات شاسعة، غير أن الوضع اختلف تماماً حين انتقلت إلى جزيرة (بالي) حيث لم أرَ فيها أي مدافن أو مقابر واضحة، وكان من السهل تخمين السبب كون 93 في المائة من سكانها من (الهندوس) فهم يعمدون لحرق موتاهم والاحتفاظ برمادهم كذكرى، وتوجهت بهذا السؤال إلى موظفة الفندق التي أكدت لي هذه الحقيقة، وسألتني قائلة: وماذا عنكم ألا تحرقون موتاكم؟ أجبتها مبتسماً: لا نحن ندفنهم ثم يحرق الله من يشاء منهم، عادت وسألتني ببراءة واضحة: ولماذا لا تحرقونهم مبكراً؟ ضحكت وقلت: هذا موضوع يصعب شرحه».
ولا أنسى قبل سنوات عندما كنت راكباً التاكسي في نيويورك، وإذا بي ألمح على يساري مقبرة هائلة على امتداد النظر، وهي تعتبر أكبر مقبرة في أميركا، فانقبض صدري لا شعورياً، ولم يخطر على بالي سوى (هادم اللذات)، فطلبت من سائق التاكسي وأنا أرتجف أن يعود بي إلى الفندق، مضحياً بالموعد الرائع الذي كنت ذاهباً له.
عموماً أصبح الكثير في أميركا وأوروبا يحرقون الآن جثامين موتاهم، ثم يضع كل إنسان فقد عزيزا لديه رماده في زجاجة تتصدر مجلسه، بل إن بعضهم يدفع مبالغ طائلة لتأخذ الأقمار الصناعية رماد الموتى لتدور بها حول الأرض، وشطح بي الخيال لو أن أحد الرواد من الذين صعدوا للقمر، مات وتركوا جثته هناك، هل تتحلل يا ترى؟! وعندما يُنفخ بالصور سيُبعث حتى لو كان على سطح القمر.
أما الذي ضرب مثلاً باذخاً في حرق جثته ولم يسبقه في تكلفته أحد، فهو ملك تايلند، عندما شيد قصراً استغرق بناؤه 12 شهراً وبلغت تكلفته 90 مليون دولار، محتوياً على تسعة أبراج ذهبية ومزينة بآلاف التماثيل ومغطاة بالزهور، ثم وضعوا جثمان الملك فوقها.
وترأست ابنة ملك البلاد الجديد إيقاد الشعلة الذهبية العملاقة الأسطورية أمام كبار الشخصيات من 30 دولة، ثم نثروا رماده للرياح.
الحمد لله على نعمة الإسلام، الذي أكد لنا أن الإنسان خُلق من تراب ويعود للتراب.