ما الذي يدور في دهاليز السياسة والساسة في اليمن؟
من الواضح أن تعقيدات الأزمة اليمنية في صراع الشرعية وأنصارها مع الجماعة الانقلابية الحوثية وحلفائها قد بلغ مرحلة من الانسداد السياسي الذي برهن أن خيار الحرب خيار أحمق لا يجلب إلا الويلات والانهيارات والدمار المادي والبشري والنفسي والأخلاقي المتواصل لأطرافه، منتصرين كانوا أو مهزومين.
وهو أكثر من ذلك إنهاك وسحق لعامة أبناء الشعب، لكن هذا لا يعني أن الطرفين قد حسما خياراتهما باتجاه صناعة السلام من خلال الجلوس على طاولة حوار مسؤول بعيداً عن الابتزاز والاستقواء وألعاب الخدع البصرية.
2
لا تمتلك "الشرعية" مشروعاً سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً، وإلا فقد توفرت لها في نهاية العام 2015، بعد أن حرر الجنوبيون أرضهم، تهيأت للشرعية فرص البرهان على قدرتها في التفوق على الخصم من خلال مشروع تنموي كان يمكن أن يحقق نهوضاً ولو متواضعاً في المحافظات الجنوبية التي يسمونها (محررة)، لكن الشرعية (المنصرفة والجديدة) انشغل أفرادهما وقادتهما بترتيب أوضاعهم المادية وتقاسم ما توفر من موارد بين أبنائهم ووكلائهم، وأدخلت نفسها والشعب معها في حارة (كل من إيدُه إلُه) بتعبير الفنان السوري الكبير دريد لحام.
3
في العام 2016م كان كاتب هذه السطور قد نشر مقالا بعنوان "كيف نهزم المشروع الانقلابي بدون طلقة رصاص واحدة" ملخصه: أن القيام بعملية إعادة الإعمار من خلال صناعة الاستقرار وفتح أبواب الاستثمار وتوفير فرص عمل جديدة وبناء مشاريع منتجة في محافظات الجنوب (المحررة)، يمكن أن يغير شوكة ميزان القوى لصالح الشرعية وسيجذب كل المواطنين في كل محافظات الشمال لنصرة الشرعية ومقاومة المشروع الانقلابي وسيسحب البساط من تحت أقدام الانقلابيين ويلحق بهم الهزيمة بلا حرب ولا حتى بطلقة رصاص واحدة.
بيد أن الشرعيين ظلوا يعتبرون تجويعهم للجنوبيين وحرمانهم من الخدمات هي الوسيلة المثلى لإجبار الشعب الجنوبي على التخلي عن نضاله من أجل استعادة دولته.
وقد قال قائلهم على الملأ وعبر القنوات الفضائية ما معناه: "إن هناك من يرى أن تنمية الجنوب سيعزز النزعة الانفصالية".
4
التهديدات والهنجمات الحوثية بقصف الموانئ ومصادر الثروة في الجنوب لا تدل على تفوق سياسي ولا أخلاقي ولا حتى عسكري، لكنها تبعث رسائل ابتزازية للشرعية المرتعشة التي تعجز كل جيوشها الجرارة التي تعد بمئات الآلاف عن التصدي لطائرة مسيرة بدائية الصنع.
وفحوى الرسالة أن الحوثيين يطالبون بالمكافآت المجزية للقتلة مقابل الجرائم التي ارتكبوها وما يزالون يرتكبونها في حق أبناء الشعبين في الجنوب والشمال.
وتلك الوقاحة تجاوزت حدود المعهود، لكن الميراث الفولكلوري العربي يذكرنا دائما بالمقولة "ما الذي فرعنك يا فرعون؟".
ولو وجد الحوثيون من يتصدى لهم لهرعوا ركضا إلى المبعوث الأممي لإنقاذهم كما فعلوا يوم وصلت القوات الجنوبية ووقوات المقاومة التهامية إلى مشارف مطار الحديدة.
يعتقد القادة الحوثيون أنهم أرجح عقولاً وأكثر ذكاء من قادة الشرعية، والحقيقة أنهم قد يبدون كذلك لكنهم أيضا موهوبون بالصفاقة والتبجح وغياب الشعور بالمسؤولية ولذلك يستخدمون عقولهم في تبرير الجرائم التي يرتكبونها ويسوقونها للناس على أنها حماية للسيادة الوطنية وخدمة الشعب اليمني، بينما السيادة والشعب هما ضحية تلك الحماقات.
5
وعوداً على بدء ماذا عن السلطة "الشرعية"؟
ماذا فعلت وما الذي يمكن أن تفعل من أجل هزيمة المشروع الحوثي العنصري البغيض؟
فشل "الشرعية المنصرفة" في مواجهة المشروع الانقلابي لم يعد لغزاً يحتاج إلى البحث عن براهين إضافية، غير أن المؤشرات تقول إن "الشرعية الجديدة" تسير على نفس الطريق وبنفس الآلية البائسة لأسلافها في التعاطي مع التحديات والآمال التي علقها الناس عليها يوم إعلان نقل السلطة.
فهي لم تفشل فقط في نقل المعركة إلى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي صنفتها كـ"حركة إرهابية" ولا حتى في الدفاع عن المرافق الحيوية التي يستمد منها الشرعيون مرتباتهم ومرتبات أولادهم وزوجاتهم وصهورهم ومنهوباتهم، بل وفشلت في معالجة الاحتياجات اليومية لأبناء العاصمة عدن وكل محافظات الجنوب، وزادت من معاناتهم بإعدام الخدمات ومصادرة المرتبات وتجويع أكثر من 80% من أبناء الجنوب بفعل هذه السياسات الخرقاء.
6
بعد فضيحة تسليم "الجيش الوطني" محافظات: الجوف ومأرب والبيضاء وشرقي وشمال محافظة صنعاء للجماعة الحوثية أيقن الجميع أن هذا الجيش غير مؤهل لتحرير حارة في مدينة شمالية صغيرة أو قرية في أحد الأرياف النائية.
وبذلك فإن "الشرعية الجديدة" تريد من الجنوبيين وحدهم تحرير صنعاء و"رفع العلم في مران"، ونسي هؤلاء "الشرعيون" أن في الشمال أكثر من 25 مليوناً منهم ما يزيد على 50% مقاتلون محترفون، ولو اكتسب الشرعيون ثقة هؤلاء لهزموا الفئة القليلة الضالة في زمنٍ أقل مما هزمها به الجنوبيون، لكن تلك الملايين من المواطنين اختاروا نصرة الحوثي لأنهم لا يرون في قادة الشرعية أية بارقة أمل في تحقيق مصالحهم والحفاظ على كرامتهم بعد أن ولى هؤلاء القادة الإدبار ليلة 21 سبتمبر 2014م.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك