لعل من يُعنَى بمتابعة التطوراتِ التي طرأت على نهج وخياراتِ الإسلاميين السياسيين، في السنوات الأخيرة، يلحظ انصرافَ شطرٍ كبير منهم صوبَ العلوم الإنسانية، خصوصاً العلوم السياسية، ومحاولة خلق «نخبة» فكرية إخوانية وشبه إخوانية جديدة.
هذا الأمرُ وصلَ لمحاولات «تصنيع» نخبٍ تنتمي لهذا المعسكر الفكري - حتى إن ادعى بعضُهم الحيادَ الفكري بل والليبرالية الغربية! - والجديد هو تلميعُ بعض الشباب الخليجي والسعودي المقيم في أميركا وبعض الدول الغربية.
الهدف هو تقديم «أيقونات» نخبوية، حليقة اللحى أو مهذبتها، ترطنُ الإنجليزية، بدرجاتٍ متفاوتة من الحذق، تلقي المحاضرات (بصرف النظر عن دقة وصفها بالمحاضرات) من فوق منابر الجامعات الأميركية، وغيرها، واستكتابهم في بعض المجلات الغربية الأكاديمية المعتبرة، وهكذا في حراكٍ مديد، وقطرة قطرة، نقطة نقطة، عاماً إثر عام، يتخلقُ لك في النهاية صنمٌ أو أصنام يراد لكَ رغماً عنك أن تعتبرَها من خيرة العقول العالمية، أو على الأقل العربية التي نبذها قومُها على طريقة: أضاعوني وأي فتى أضاعوا!
الأمر ليس محصوراً في الدول الغربية كأميركا وكندا، فقد لاحظ عماد عبد الحافظ في تقريره على منصة «حفريات» دلالة إنشاء «أكاديمية العلاقات الدولية» الموجودة في تركيا برئاسة د. عصام عبد الشافي، كما يحاضر فيها د. سيف الدين عبد الفتاح، مستشار الرئيس الإخواني محمد مرسي، وهما، كما يصفهما الكاتب «قريبان من الجماعة على مستوى المواقف السياسية».
هذه الأكاديمية تتيح فرصاً لدراسة العلوم السياسية بداية من المرحلة الجامعية، مروراً بالدبلوم والماجستير والدكتوراه، وتَعْقِدُ شراكاتٍ مع جامعات تركية وأميركية لاعتماد شهاداتِ التخرج الخاصة بها.
الحال أن اهتمامَ عناصرِ «الإخوان» بدراسة العلوم الإنسانية مثل علوم الاجتماع والنفس ومقارنة الأديان وفلسفة التاريخ... وغيرها، نادرٌ جداً، ولذلك من الصعب العثور على اسم إخواني ذي قيمة في هذه الحقول.
نهج «الإخوان» التربوي، ومن شابه «الإخوانَ» كالسرورية، قائمٌ على «التلقين» والترديد، واليقين، والتبشير، وعليه فإن التوغلَ في هذه العلوم الإنسانية يتعارض مع هذه العادات الصماء.
يخبرنا تقرير «حفريات» أنه وفقَ آخر تمثيل لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة في 2013 كانت تقريباً نسبة 90 في المائة من أعضاء مكتب الإرشاد وقيادات الحزب من الأطباء والمهندسين.
وخارج مصر، قلِّبْ بصرَك ذاتَ اليمن والشمال، لتجد كثيراً من نجوم «الإخوان»، بالانتماء أو التعاطف، وبعضهم أعضاء في الحكومات بسبب تأهيلهم الجيد - ربما - في مجالات مثل الهندسة والطب وعلوم الحاسب الآلي، لكن من النادر جداً العثور على «مفكر» إخواني رصين مثل المغربيين الجابري والعروي، والتونسي هشام جعيط، بل من الصعب العثور على علماء فكر وتاريخ وأدب أفذاذ تراثياً، مثل المصري أحمد أمين. حسناً، هل نبالغ برصد هذه الظاهرة؟
سمير العركي وهو صحافي مصري مقيم في تركيا يجبّ تقرير حفريات قائلاً: «الظاهرة صحيحة بالفعل، وقد قابلت بعض أعضاء الجماعة من خريجي كليات الطب قد اتجهوا لدراسة السياسة».
إذن لا تندهشوا إذا رأيتم على منصات السوشيال ميديا العربية والإنجليزية مؤخراً، زخماً جديداً لتقديم نجوم فلسفة وعلوم إنسانية جدد لاختطاف «برستيج» هذه الألقاب، من دون فعل حقيقي حُر في هذه العلوم، فقط «اختطاف» عناوين، وكما قيل بالعامية: «كله عند العرب صابون»!