تعكف الحكومة المغربية على وضع مشروع قانون جديد، يتعلق بالتمويل الأجنبي للجمعيات، حيث يلزمها بالتصريح بكل ما حصلت عليه من دعم أجنبي. وأكد محمد حجوي، الأمين العام للحكومة، أن مسألة التمويل الأجنبي للجمعيات تعد في مقدمة اهتمامات الحكومة، مشيرا إلى أن 212 جمعية، صرحت بحصولها على مساعدات من جهات أجنبية، بلغ مجموعها 334 مليون درهم (حوالي 30 مليون دولار).
ونفى الأمين العام للحكومة أن تكون هذه المراجعة تهدف إلى وضع أي قيد على حرية تأسيس الجمعيات المضمون بأحكام الدستور، مؤكدا حرص الحكومة على استكشاف المجالات التي تستأثر باهتمام العمل الجمعوي لتوجيه الاهتمام لهذه المجالات، قصد تقوية أواصر التعاون والعمل المشترك وتعزيز الثقة بين السلطات الحكومية والجمعيات.
واعتبر رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، في تصريح لـ”العرب” أن التمويل الأجنبي سيف ذو حدين باعتباره واجهة لخدمة أجندة خارجية وتصورا للمنظمات المانحة للمجتمع المغربي في ظل سياق إقليمي ودولي متحول. وأضاف أن هذا التمويل يطرح مخاطر على السيادة الوطنية من تنظيمات لها علاقات بالخارج، مما جعل الدولة تتنبه لبعض الجمعيات التي تشتغل بأجندة خارجية على المستوى الداخلي.
وتخشى الجمعيات الوطنية والمنظمات غير الحكومية أن يشكل التشريع مدخلا للتضييق عليها في النفاذ إلى هذا الدعم، وتهديدا لحقها في التجمع والتظاهر السلمي.
وتطالب أعداد من الجمعيات، تفاديا للتضييق على عملها، بتجويد النصوص القانونية والممارسات الإدارية، من خلال رقمنة عملية التصريح بالإعانات الأجنبية للجمعيات لدى مصالح الأمانة العامة للحكومة، عبر إحداث بوابة إلكترونية يمكن للمنظمات غير الحكومية فتح حساب إلكتروني فيها، وعبره تصرح بكل الوثائق والتقارير المنصوص عليها قانونا، دون الاضطرار إلى وضعها لدى الإدارة في نسخ ورقية.
◙ الأمين العام للحكومة ينفي أن تكون مراجعة القانون تهدف إلى وضع قيد على حرية تأسيس الجمعيات المضمون دستوريا
ووجهت وزارة الداخلية المغربية، قبل ثماني سنوات، اتهامات لجمعيات تعمل تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان، بأنها تعد تقارير مغلوطة من أجل دفع بعض الأجهزة والمنظمات الدولية إلى اتخاذ مواقف معادية لمصالح المملكة المغربية، وأنها تحظى بالدعم المالي وعدد من المنافع من جهات خارجية كثيرة، وتستقبل أموالا لا يتوفر عليها أكثر من 60 في المئة من الأحزاب السياسية.
وتبدو الحكومة المغربية عازمة على تشديد الخناق على الجمعيات التي تتلقى تمويلات مالية مشبوهة من الخارج.
وكشف محمد حجوي، أن مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، تأتي لضبط مسار عملية التمويل الأجنبي للجمعيات ليشمل جميع المراحل التي تمر منها هذه العملية، وكذلك وضع آلية لتتبع ومراقبة الأنشطة والبرامج والمشاريع التي تنجز منها، بهدف إضفاء الشفافية والوضوح على العمليات المالية الناجمة عن هذه الإمكانية المتاحة أمام الجمعيات، ومراقبة مدى انسجامها مع أهداف الجمعية المعنية، والمجالات التي تشتغل فيها طبقا لنظامها الأساسي، بالإضافة إلى انسجامها مع المقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
وينص مشروع القانون على أن "المنظمات المحلية ملزمة بأن تصرح للأمانة العامة للحكومة بكل شطر من إجمالي أي إعانة تتلقاها من مؤسسة مانحة دولية، وذلك في أجل أقصاه شهر".
وجاء سعي الحكومة لإحداث إطار قانوني للجمعيات المغربية، ليمكن المؤسسات الرسمية من ضبط مسار عملية التمويل الأجنبي للجمعيات ليشمل جميع المراحل التي تمر منها، ولهذا أكد سامي المودني، رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، أن وضع آليات قانونية لتتبع ومراقبة الأنشطة والبرامج والمشاريع الممولة من طرف المانحين الدوليين، سوف يضفي شفافية ووضوحا أكثر على العمليات المالية الناجمة عن هذه الإمكانية المتاحة أمام الجمعيات.
ويقول مراقبون إن المشكلة التي تريد الحكومة معالجتها دون المس بالحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في دستور المملكة المغربية، هي أن أحكام قانون الجمعيات المغربي الحالي لا ينص على إلزامية التصريح بالغرض من كل دعم أجنبي مرفقا بالوثائق المثبتة، كما أنه لا يسمح لمصالح الأمانة العامة بمعرفة الجمعيات التي لا تصرح بتلقيها مساعدات من جهات أجنبية.
وحسب معطيات رسمية، شملت الأنشطة الممولة من المساعدات الأجنبية مجالات “البنيات التحتية بالمناطق القروية" و"أنشطة الرعاية الاجتماعية والصحية” و”دعم العمل الجمعوي" و”حماية الحيوانات والمحافظة على البيئة” و"تأهيل المرأة وحماية النساء ضد العنف”، فضلا عن “أنشطة ذات طابع حقوقي، وأخرى تطوعية وثقافية”، إلى جانب الأنشطة المرتبطة بـ”التنمية الاجتماعية والاقتصادية” و"الحفاظ على التراث" و”الأنشطة التربوية والتعليمية”.